الوطنيةُ ليست لافتةً ترفعُ على الواجهاتِ وخلفَ المكاتب وتهانُ أو تداسُ بالأقدان في الأروقةِ والشوارعِ والمؤسسات..!
الوطنيةُ ليست هتافاً بأعلى الصوت، ولا خطباً رنّانة في تظاهرةٍ أو مهرجان خطابيّ وأدبيّ أو مؤتمر وطنيّ!
الوطنيةُ.. ليست النبرة العالية والحضور اللافت والوعود السخيّة أيامَ (الانتخابات) حتى إذا وصلَ كلٌّ إلى مقعده في البرلمان نسيَ لماذا هو تحت قبّة البرلمان؟
الوطنيةُ.. ليست السكوت على ما يجري من أخطاء وتقصيرات بحجة أنّنا لا نريد أن ننشر غسيلنا، أو نضيف إلى قائمة التحديات تحديات جديدة؟!
الوطنيةُ.. ليست نشيداً وطنياً يُعزف أو علماً وطنياً يُرفع، أو آثاراً تاريخية في المتحف الوطني.. ولا هي مناسبات وطنية.
وليس من الوطنية في شيء أن نتعصّب تعصّباً قبلياً للوطن حين نكون خارجه، حتى إذا عُدنا لأحضانه تعصّبنا لغيره، أو قُلنا فيه ما قال (الحُطَيئةُ)(*) فيمن هجاهم!
الوطنيةُ.. فكر وثقافة وسلوك وهوية وصحّة وتنمية ودين وعلاقات وانتماء..
الوطنيةُ.. ليست أن تترك الوطن يتوجّع أن يصرخ من الألم وأنت واقف تتفرّج..
الوطنيةُ.. أن تأخذ بيد الوطن المريض إلى عيادة التآخي والوفاء والإخلاص لعلاجه من أمراض الفتنة والفرقة والجهل والتخلّف..
الوطنيةُ.. ليست نظرات قصيرة مسمّرة تحدّق في الراهن المنظور، وتنس التفكير بالأجيال القادمة.. "زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون".
الوطنيةُ نقدٌ بنّاءٌ لرفع الأنقاض والمخلّفات من الشوارع حتى تسهل عملية السير.. وأن تقول الحقَّ والصدق على وطنك حتى ولم لم يعجبهُ ذلك.
كيف هو (بيتك) عندك؟
وكيفَ هي (أسرتك) عندك؟
حين ترتقي نظرتُك وشعورك بالإنتماء إلى الوطن على أنّه "بيتُك الكبير" وإلى مجتمعك على أنّه "أسرتُك الكبيرة".. أشياء كثيرة سوف تتغيّر.. الوطن سيكون غير قطعة الأرض.. والمجتمع سيكون أكثر من مجرّد تجمّع بشريّ!
وهذا هو الإختصار غير المخلّ للجواب على سؤال: كيف تقدّموا ولماذا تأخّرنا؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الهامش:
(*) الحُطيئة شاعرٌ جاهلي هجّاء من الطراز الأوّل، لم يدع أحداً لم يهجهُ، وحينما لم يجد مَن يهجوه هجا نفسه!