* محمّد مهدي الآصفي
لا يمكن تجريد القوة من الإقتصاد، فلكي نواجه التحدّيات المعاصرة الكبرى لابدّ أن نكتسب القوّة التي تمكننا من الدخول في هذه المواجهة، والتغلب عليها.
والعامل الإقتصادي من مكوّنات القوة، فإنّ الحياة المعاصرة، شبكة مترابطة، يدخل فيها الإقتصاد في السياسة، والسياسة في الإقتصاد، وكلاهما في تكوين القوة العسكرية.
وما لم نحقّق – نحن – في العالم الإسلامي حالة الإكتفاء الذاتي في حياتنا الإقتصادية، لن نستطيع أن نقيم علاقات سياسية متكافئة مع العالم عموماً، ومع دول الاستكبار العالمي خصوصاً، ونبقى في حالة التبعية السياسية، النابعة من التبعية الإقتصادية.
وإذا كان موقعنا السياسي في معادلات القوة على وجه الأرض هو التبعية السياسية للدول الصناعية الكبرى ودول الاستكبار العالمي، فلن نقوى أبداً على مواجهة التحدّيات، وسوف ننحدر م موقع التحدّي إلى التطبيع، كما حصل ذلك في موقع أكثر الأنظمة العربية تجاه المشروع الصهيوني في فلسطين.
وليس معنى ذلك أنّ العامل الإقتصادي هو الأصل والأساس كما تذهب إلى ذلك الماركسية، فنحن نختلف عن الماركسية في فهم سنن الله تعالى في التاريخ والمجتمع وتفسيرها، ونعتقد أنّ للعمل الثقافي الدور الأوّل والقاعدي في بناء المجتمع، ولكن يبقى للعامل الإقتصادي الدور المؤثر في البنية الإجتماعية والقوة السياسية لكل المجتمع.
ومن دون تحقيق الإكتفاء الذاتي لن نخرج عن دائرة التبعية السياسية.
وهذه حقائق لا يمكن التشكيك فيها.
وليس معنى الإكتفاء الذاتي في الإقتصاد أن نخرج عن المنظومة الإقتصادية العالمية، والقائمة على الأخذ والعطاء، والتصدير والاستيراد، والعلاقات الإقتصادية المتبادلة، وندخل في دائرة إقتصادية مقفلة، فهذا مالا يمكن، ولا يكون في عالم العلاقات الإقتصادية المنفتحة والمتشابكة اليوم.
ولكن معنى الإكتفاء الذاتي في الإقتصاد أن نخرج عن دائرة العلاقات الإقتصادية غير المتكافئة في الاستيراد والتصدير والأخذ والعطاء إلى دائرة العلاقات الإقتصادية المتكافئة في الاستيراد والتصدير والأخذ والعطاء.
وليس على أسواقنا وتجارتنا ومصادرنا الطبيعية بعد ذلك من بأس، أن تفتح مع بلاد العالم جميعاً، علاقات إقتصادية متكافئة.
ولا نستطيع أن نحقق حالة الإكتفاء الذاتي في أوضاعنا الإقتصادية من دون أن نكتسب الكفاءات العلمية.
فإنّ الصناعات الخفيفة والثقيلة، والزراعة والتجارة، مجموعة اختصاصات علمية، ومن دون نكتسب هذه الإختصاصات لا نستطيع أن نُنشِّط حركة التصنيع والزراعة والتجارة في بلادنا.
هذه نقاط يتبع بعضها بعضاً، ولا يمكن التفكيك بينهما.
القوة لا تتحقق من دون العامل الإقتصادي، ولا يمكن تنشيط وتفعيل العامل الإقتصادي من دون أن نحقق الإكتفاء الذاتي في أوضاعنا الإقتصادية. وبغير ذلك لا نستطيع أن نقيم مع العالم من حولنا، علاقت إقتصادية متكافئة.
ولا يتيسّر لنا تحقيق ذلك من دون كسب الكفاءات العلمية التي تحرك العجلة الإقتصادية في الصناعة والزراعة والتجارة.
ونحن في الوقت الذي نصر ونؤكِّد على خطورة استيراد الثقافة، نؤكِّد على ضرورة كسب التخصّصات العلمية التي يتقدمنا فيها الغربيون، ونقول: إننا من دون هذه الكفاءات لا نستطيع أن نحقق تطوراً كبيراً في حياتنا الإقتصادية... والعلم سلاح، ولابدّ أن نتسلّح نحن بهذا السلاح من أي مصدر ممكن ومعقول.
المصدر: كتاب التحديات المعاصرة ومشروع المواجهة الإسلامية