سعود بن هاشم جليدان
ارتفعت نسب البطالة بشدة في معظم دول العالم خلال الكساد العظيم. وأجبرت ظروف الكساد الذي عصف بالعالم أثناء ثلاثينيات القرن الـ 20 الدول المتقدمة على تبني عدد من السياسات الداعمة للعمالة، والتي من بينها مخصصات البطالة. وفي بداية تلك الحقبة تبنت الولايات المتحدة نظام تأمين ضد البطالة يتحمل مشغلو العمالة دفع تكاليفه ويوفر مخصصات للعاطلين عن العمل.
وكما ما هو معلوم يوجد نظام فيدرالي في الولايات المتحدة تتبنى بموجبه الحكومة الفيدرالية (المركزية) سياسات عامة وتترك مجالاً للولايات (المقاطعات) لكي تختلف فيما بينها في بعض تفاصيل الأنظمة. ولا تختلف أنظمة مخصصات البطالة عن غيرها، ولهذا يمكن مشاهدة اختلاف بين الولايات في حجم مخصصات البطالة وبعض الشروط المتعلقة بها وظروف تطبيقها.
ويدفع بموجب أنظمة مخصصات البطالة مشغلو العمالة ضرائب بطالة للحكومة الفيدرالية وكذلك لحكومات الولايات. وتسن الحكومة الفيدرالية الأنظمة العامة للنظام مثل الحد الأقصى لمنافع البطالة التي تبلغ 26 أسبوعاً. وتقرض الحكومة الفيدرالية الولايات المبالغ اللازمة للاستمرار في دفع مخصصات البطالة إذا نفدت مواردها المخصصة للبطالة.
ولا يتأهل عدد كبير من الأمريكيين لمخصصات البطالة, ويشمل هذا العاملين لوقت جزئي والعاملين لأنفسهم والعاملين المؤقتين والمستقيلين أو المتغيبين عن أعمالهم, وكذلك الذين لم يسبق لهم العمل أو عملوا لفترات قصيرة قبل فقدان أعمالهم. ويستهدف فارضو شروط استحقاق مخصصات البطالة الحد من استغلالها. ويستغرق الحصول على مخصصات البطالة نحو أسبوعين من ترك العمل ويتوقف حجم المخصصات على الدخل الذي تلقاه العاطل من عمله خلال الأرباع السنوية السابقة لفقدان العمل.
وينبغي على متلقي مخصصات البطالة أن ينشطوا في البحث عن عمل وإلا فقدوا مخصصات البطالة، كما تحاول الإدارات المسؤولة عن توزيع مخصصات البطالة توفير معلومات عن فرص العمل للعاطلين. وتشترط الولايات حدوداً دنيا لمدة العمل لكي يتأهل الأفراد لتلقي مخصصات البطالة، كما تحدد مستويات عليا لمنافع البطالة، حيث لا تتجاوز المبالغ التي يتلقاها العاطلون عن العمل 400 دولار في الأسبوع في ولاية نيويورك وتنخفض في ولايات أخرى إلى نحو 250 دولاراً في الأسبوع.
وتختلف طرق التمويل حسب الدول, ففي أستراليا يتم تمويلها من ضرائب الدخل ولا يوجد تأمين إجباري ضد البطالة يدفعه موظفو العمالة كما هو الحال في الولايات المتحدة. ويربط حجم مخصصات البطالة في أستراليا بمعدلات التضخم وتمولها الحكومة الاتحادية. ويوجد في أستراليا نوعان من مخصصات البطالة أولهما للشباب ويستفيد منه الذين تقل أعمارهم عن 21 عاما، وقد يستفيد منه الطلبة حتى عمر 24 سنة.
وتختلف مخصصات هذا النوع حسب العمر وعدد أفراد العائلة, ولهذا فهو يكتسب صفة الضمان الاجتماعي. أما النوع الثاني فبإمكان العاطلين من باقي الأعمار الاستفادة منه ولكن على المتأهلين لتلقي المخصصات الالتزام ببعض النشاطات لرفع قدراتهم للحصول على عمل, كما يجب ألا يتجاوز دخلهم مستوى معيناً (نحو 100 ريال في الأسبوع)، وإذا زاد عن المستوى المحدد تنخفض منافع البطالة حتى تتلاشى عند مستويات معينة من الأجور، كما تتلاشى عند تجاوز مستوى الأصول المملوكة للعاطل حداً معيناً.
وتختلف بموجب هذا النوع مستويات المخصصات، حيث يتلقى مالكو المنازل مبالغ أقل من المستأجرين. ويختلف النظام في أستراليا عن غيرها بأنه لا يأبه بطول فترة البطالة، حيث يستمر العاطلون في تلقي مخصصات البطالة ما دامت الشروط تنطبق عليهم.
أما في كندا فيوجد تأمين ضد البطالة يشارك في تحمل تكاليفه العمالة وموظفوها ولا تتحمل الحكومة أي تكاليف (وكانت الحكومة الكندية تتحمل جزءا من تكاليف مخصصات البطالة ولكنها توقفت بالتدريج عن دعمه). وتعاني بعض ولايات كنداً من بطالة موسمية عالية في الشتاء بسبب برودة الطقس وتوقف بعض الأنشطة مثل صيد السمك, ولهذا تستفيد العمالة من برامج مخصصات البطالة أثناء الشتاء.
ويتطلب تلقي منافع البطالة في كندا العمل لحد أدنى مقداره عشرة أسابيع. وفي إيطاليا تصل مخصصات البطالة إلى 40 % من أجر آخر أسبوع من العمل, ويمكن أن تمتد حتى سبعة أشهر. ويوجد عدد من الإجراءات المساعدة لبرنامج مخصصات البطالة مثل دفع أجور أو جزء من أجور عمالة المصانع التي تعاني معضلات مالية. ويتميز النظام الإيطالي بأنه يأخذ في الحسبان وضع موظفِي العمالة ويطرح برامج مساندة لدفع بعض أجور العمالة لمساعدة موظفِي العمالة على التغلب على الظروف المالية الصعبة التي يمرون بها.
أما في السويد فتتحمل الاتحادات العمالية القوية مسؤولية توزيع منافع أو مخصصات البطالة، وتمول المنافع من اشتراكات العمال وما يدفعه الموظفِون من رسوم. وهناك مستويان من المخصصات أحدهما اختياري ويدفع منافع أعلى للعاطلين، والآخر أقل منافع ولكن مقابل رسوم اشتراك أقل. ويحصل ملتقو مخصصات البطالة على نحو 80 في المائة من آخر أجر تلقوه لأول سبعة أشهر من البطالة ثم ينخفض تدريجياً حتى يتلاشى. ويدفع متلقو مخصصات البطالة ضرائب على دخولهم عكس عدد كبير من دول العالم التي تعفيها من الضرائب. وفي الصين تكتسب المقاطعات سلطة تحديد مستويات المخصصات والتي يجب أن تكون فوق مستويات الحد الأدنى للأجور.
إن لدى دول العالم تجارب مختلفة في حجم مخصصات البطالة وفي أساليب تمويلها وشروط استحقاقها ومددها، ولكن يبدو أن هناك شبه اتفاق على أهمية وجود برامج لدعم العاطلين عن العمل وخصوصاً الذين فقدوا وظائفهم لظروف خارجة عن إرادتهم. ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى إذا أردنا استحداث نظام يمنح العاطلين عن العمل دعماً يمكنهم من الصمود ولو لفترة وجيزة. كما توفر مخصصات البطالة بعض الطمأنينة لعمالة القطاع الخاص الذين قد يجدون أنفسهم فجأةً في قارعة الطريق دون أي عمل أو أي دخل يوفر لهم بعض احتياجاتهم الأساسية ولو لفترة محدودة.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.