* شاكر فريد حسن
يعاني المشروع القومي العربي، كغيره من المشاريع الايديولوجية التقليدية، من أزمة خاصة، ومع أنه واع لأزمته لكنه غير قادر نظرياً وعملياً على تجاوزها. وهذه الأزمة مرجعها بالأساس ليس التغيرات العالمية فحسب، وإنما التبعية والتخلف الاجتماعي والتأخر التاريخي للأمة العربية من محيطها حتى خليجها، إضافة إلى فقدان الرؤية الاستراتيجية الشاملة لتغيير الواقع وتجديده.
وفي حقيقة الأمر، أن الواقع العربي لا يعاني من انهيار الفكرة القومية فقط، بل يعاني أيضاً من انهيار وانطفاء السياسة، وانحسار دور المثقفين العرب وانقطاع الكثير منهم عن الالتزام بالواقع والأمة، وهي فئة ترتزق بالكلمة، إلى جانب تراجع الأحزاب السياسية في العالم العربي ونكوص القوى الوطنية التقدمية والعلمانية، علاوة على غياب الحركة الشعبية العربية التي تمثل أحد شروط نهوض وتبلور أي مشروع وطني ونهضوي جديد.
ومن الواضح، أن انبعاث الحركات الدينية الجماهيرية هو تعبير عن اندثار وانطفاء السياسة في المجتمعات العربية ودليل قاطع على أزمة مجتمعنا، وأن صعود الفكر القومي، ابان الحقبة الناصرية، كما الفكر الماركسي العربي في سنوات مضت الا ترجمة لنهوض الحركة الشعبية الجزئي.
أن فشل الخطاب القومي وغياب أفقها السياسي والقومي، عدا عن التمزق الحاصل في العالم العربي وغياب التضامن العربي، كما يمكن تعميم الفشل على جميع النكسات والهزائم التي مرت بها الأمة العربية خلال العقود الأربعة الماضية.
ولا شك أن عدم الجرأة وعدم وضوح الرؤية في الخطاب القومي يشكلان المعضلات الأساسية في عدم تكوين المرجعية المنشودة، ولذلك لابدّ من تغيير جذري في معالم هذا الخطاب من حيث المضمون، على أن يجسد تطلعات الشرائح الواسعة للجماهير العربية، وليس تمنيات النخب المثقفة التي أخفقت حتى الآن بتحمل مسؤوليتها التاريخية والتي سمحت لفئة من المرتزقة تدور في فلك السلاطين بامتلاك الساحة الوطنية والقومية.
كذلك لابدّ للخطاب القومي أن يصيب ويلامس الوجدان الشعبي العربي ويعزز الثقة ويبعث الأمل في الذات العربية المحبطة واليائسة والمهزومة. وعليه أيضاً أن يحتوي على اشارات للتراث والانتقال إلى مواقع جديدة تلتقي مع العلم والمعرفة ليصبح الوعاء لانتاج المعرفة الحديثة. كما وعلى الخطاب القومي العربي أن يبحث عن فاعل جديد يستأنف في فعله الفكر القومي النهضوي التنويري العربي ويقدم طرحاً جديداً للمسألة القومية.
وفي النهاية، هناك مهمة تاريخية مشتركة أمام القوى المجتمعية العربية، وقوى الاصلاح والتغيير، من قوميين وعلمانيين وليبراليين واسلاميين، وهي القيام بمراجعة ثقافية جادة في مواجهة الهزيمة، والعمل على تجديد الفكر القومي العربي وعقلنته، واعادة التأسيس الفكري البنّاء والحضاري في حياة الأمة العربية. وكذلك العمل في جبهة وطنية متحدة من أجل انشاء المجتمع الوطني المدني التعددي الديمقراطي، عبر عملية تنمية ونهضة شاملة، مما يجعل الواقع العربي قابلاً للتغيير والحياة والانتصار