مَن أوّلاً: الوطن أم المواطن؟
مَن الذي يصنع الآخر: الوطن الصالح يصنع المواطن الصالح؟ أم المواطن الصالح يصنع الوطن الصالح؟
لو قلنا: (الوطن) فمن أين يكتسب صلاحَه.. أليسَ الوطنُ بمواطنيه؟
أليسَ الوطنُ الصالح هو هذا المجموع الكلّي لصلاح أفراده مجتمعين؟
ولو قلنا: (الوطن).. فمن أين يأتيه الصلاح؟ أليس من وطنه: أمّاً، ومعلّماً، وإعلاماً، وحكومة، ومراكز توعية أخرى؟
هل هي مشكلة الدجاجة من البيضة أمن البيضة من الدجاجة؟
لا.. ليست كذلك.
فنحن نقول بـ"تبادليّة الصلاح" أو جدليّة الصلاح، فكُلُّ يكسب الآخر صلاحه، ويكسب منه صلاحه.
الأوطان.. شخصيات معنوية.. صحيح أنّ هناك حكومة وإدارة وقانون، لكنّ هذه الدوائر المسؤولة هي بالقائمين عليها ومديريها موظفيها ومواطنيها، فبقدر ما تكون الأوطانُ حاملةً لقيم الصلاح، معتزةً بها ومدافعةً عنها، إن في مناهجها أو في برامجها، فإنّ المواطن بالتالي هو ابنها البارٌ يتعلّم ويأخذ منها ذلك، وينمو ويترعرع عليه، وبقدر ما يكون أبناء الوطن صالحين، ونركِّز هنا على "الصلاح الديني" تحديداً لأنّه – في اعتقادنا – الأوفر حظاً في امكانية بناء المواطنة الصالحة.. كانت فرص تحوّل الوطن إلى وطن صالح، أو أكثر صلاحاً، أوسع وأغنى.
هنا يباغتُنا سؤال واقعيّ:
فلماذا ترانا – نحن المسلمين – أتباع أعظم دين نفتقر إلى العديد من صفات وخصائص المواطنة الصالحة، وقد افترضنا أنّ الشخصية الاسلامية هي النموذج الحيّ للمواطنة الصالحة؟!
هذا راجع إلى أنّنا – في كثير من الأحيان – نتلقى الدين ونتعاطى معه على أنّه نظريات وشعارات ومواعظ مجردة، لم يتحوّل – إلاّ ما ندر – إلى طاقات وفعاليات وممارسات وصيغ عمل متحركة، وحتى نحقق ذلك نحتاج إلى عاملين مساعدين:
1- أن نستنبط قيمة المواطنة الصالحة من مقومات الشخصية الاسلامية السوية: فكراً وعاطفةً وسلوكاً.
2- أن نحرِّر هذه القيمة من مكبّلاتها، ونتعاط معها كقيمة ومعيار. أمّا من يقوم بذلك، فالمسؤولية – كما قلنا – تضامنيّة، ومبدأ (التعزيز) أي التغذية المتواصلة، والطرق المستمرة، والمثابرة والتكريس، مبدأ صالح في التربية والإعلام والتغيير النفسيّ والاجتماعيّ.
إعداد المواطنة الصالحة:
الصلاح يلد الصلاح.
إذا اعتبرنا هذه فرضيّة، فكيف نبرهن عليها؟
(الأم الصالحة) و(الأب الصالح) و(الأسرة الصالحة) و(المدرسة الصالحة) و(الصحبة الصالحة) و(البيئة الصالحة).. حلقات للصلاح يأخذ بعضها برقاب بعض لتنتج لنا المواطنة الصالحة.. هل هذا الجواب شافٍ؟ طبعاً لا، فنحن لا نزال في الافتراض، أي نفترض الأسرة الصالحة والمدرسة الصالحة والبيئة الصالحة، أمّا كيف يكون كلُّ ذلك صالحاً، فهذا هو السؤال.
الوعي هنا يتكفّل به المربّي الأكبر وهو الدين.
هل نختلف في تحديد معنى ومرحى "الصلاح"؟
ربّما.
لكننا، يمكن أن نتفق على أهمّ معالمه العامّة، وهي:
1- حبّ الناس (المواطنين) واحترامهم، والابتعاد عمّا يؤذيهم ويخدعهم ويغشّهم، ويقلق أمنهم وراحتهم، والعمل على ما يُسعدهم ويربيهم وينميهم.
2- احترام القوانين والأنظمة من قبل الجميع، لا أن تكون سيفاً مصلتاً على رؤوس البعض دون البعض الآخر.. القانون فوق الجميع، وليس لأحد أن يكون فوقه، بما في ذلك واضعوه.
3- العمل على غرس روح المبادرة والعمل الطوعيّ النابع من الذات.
4- مكافحة الأمراض الاجتماعية السارية، كالفساد والإفساد، بأساليب حضارية راقية، وبالحكمة والموعظة الحسنة.
5- أن تكون قدوة لغيرك في ذلك كلّه.
في المدارس اليابانية الأوّلية (قبل الجامعة) هناك منهاج دراسيّ مقرّر اسمه (ثقافة المجتمع).. غاية هذا المنهج إعداد المواطن الصالح الذي يجعل من "اليابان" بيته الكبير.. ومن اليابانيين أسرته الكبيرة، فما أحوجنا إلى ثقافة مجتمعيّة لا نقرأ فيها كيف نكون مواطنين صالحين فقط، بل أن نمارس – على ضوئها وبوحيٍ منها – دورنا كمواطنين صالحين