* د. فاروق ناجي محمود
- مبادئ عملية الإتصال (الأسس العلمية):
أوّلاً: على صعيد العوامل المضعفة للتأثير في المستقبل:
1- تحييد دور العمليات الإنتقائية، لكي لا تؤدّي بالعملية الإعلامية للإنحراف نحو تأثيرات لا يعرفها المتصل، وربّما لا يرغب بها.
2- تحييد دور قادة الرأي، والعمل على إستثماره، بما يؤدِّي إلى الوصول إلى التأثير المطلوب.
3- المواءمة بين الأهداف المراد تحقيقها (التأثير المطلوب)، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها المستقبل، إشباع حاجاته وتحقيق مصالحه وتلبية إهتماماته.
4- مراعاة التباين في المجتمع والفروق الفردية، وإستثمار العلاقات الإجتماعية عبر تصنيف المستقبل وتصنيف الأهداف الملائمة لطبيعة كل صنف، لتصميم العمليات الإعلامية المناسبة لكل صنف وكل هدف أو مجموعة أهداف.
ثانياً: على صعيد العوامل المقوية للتأثير:
1- توفير البيئة المناسبة، من خلال إنشاء الظروف المناسبة، للوصول إلى التأثير المطلوب.
2- إستغلال البيئة المناسبة إن توفرت، إن توفرها، بعد تحديدها زماناً ومكاناً، لإستثمارها في الوصول إلى التأثير المطلوب.
3- توظيف إمكانيات الشخصيات الكارزمية، والعمل على صناعة النجوم منها، وفي كافة مفاصل العملية الإعلامية، من كُتّاب، ومخرجين، وفنيين، ومقدّميين، وممثِّلين... وسيتم إطلاق تسمية (النجومية) على هذا المبدأ إختصاراً، وكما هو شائع.
4- تدعيم وتعزيز (تثبيت) التأثير في المستقبل عبر تكرار العملية الإعلامية عليه من ناحية، وتكرار الأهداف التي توصل إلى ذات التأثير عبر عمليات إعلامية متعدّدة تستخدم الوسائل ذاتها من ناحية أخرى، وسيتم إطلاق تسمية (التكرارية) على هذا المبدأ إختصاراً.
5- تعدّد إستخدام وسائل العملية الإعلامية (مقروءة، مسموعة، مرئية) لتحقيق الأهداف ذاتها، وسيتم إطلاق تسمية (التعدّدية) على هذا المبدأ إختصاراً.
6- اتصاف الأهداف الموزعة على العمليات الإعلامية بشمولها لكل ما يوصل – عبر تحقيقها – إلى التأثير المطلوب، سواء كان ذلك على المستوى الواحد للأهداف، أم على المستويات الأربعة صعوداً، وسيتم إطلاق تسمية (الشمولية) على هذا المبدأ إختصاراً.
7- وضع أجندات، ترتب على وفق أولويات إهتمامات المستقبل والعمل على الإرتقاء بها نحو الأجندة المنتظمة (المعدة على أساس بلوغ التأثير المطلوب " الهدف العام").
8- اتّخاذ أسلوب الحملات الإعلامية المنسقة على وفق المبادئ السابقة.
- ثالثاً: على صعيد الإجراءات:
يجب اتباع التسلسل التالي في بناء عملية الإتّصال:
1- تحديد المستقبل.
2- تحديد الأهداف.
3- تصميم الرسائل.
4- تنفيذ الرسائل.
5- إيصال الرسائل.
- المبادئ (الأسس العلمية) لإستراتيجية الإتّصال مع الآخر:
وبعد أن تم تحديد المبادئ التي يجب أن تستند إليها القواعد التي تبنى على وفقها إجراءات إستراتيجية، أية عملية إتّصال، لابدّ من معرفة إمكانية تحقيق هذه المبادئ؛ لتحديد إمكانية إكتساب إستراتيجية الإتّصال مع الآخر صفة (الواقعية)، كشرط من شروط نجاحها، كما تمت الإشارة إلى ذلك في تمهيد الفصل الثاني.
وعبر الإجراء الأوّل وهو تحديد المستقبل (الآخر) الذي حدّد بأنّه؛ كل من لا ينطوي تحت لواء الإسلام، نرى أن أنواع المستقبل ستصل إلى أرقام كبيرة جدّاً، فلقد وزع الدكتور صالح أبو أصبع المستقبل (الآخر) في توصيات دراسته (نحو إستراتيجية للوصول إلى المشاهد الأجنبي) على المناطق الجغرافية التالية:
1- أمريكا الشمالية.
2- أمريكا الجنوبية.
3- أوربا.
4- إفريقيا.
5- شرق آسيا واليابان.
6- جنوب آسيا.
7- أوقيانوسيا.
ويضيف الباحث منطقة الشرق الأوسط إلى هذه المناطق وذلك للأسباب التالية:
1- إنّ فيها مِلَلاً ونِحَلاً وأدياناً من غير المسلمين.
2- إنّ من بين المسلمين مَن تأثّر بأفكار غير الأفكار الإسلامية، وصار سلوكه لا يمت للإسلام بصلة، بل إن بعضهم سلوكه عدائي تجاه المسلمين.
3- إنّ في منطقة الشرق الأوسط (الكيان الصهيوني)، وهو؛ (الآخر) رقم واحد في أولويات الإتصال مع الآخر، حسب إعتقاد الباحث.
ومن المعروف أن كل صنف من هذه الأصناف يحتوي على قوميات وشعوب يجب تصنيفها إلى أصناف، كل صنف من هذا التصنيف يحوي على أكثر من معتقد وأكثر من لغة، وعلى هذا الأساس يجب توزيع كل صنف من ناتج التصنيف الأخير إلى أنواع، كما يجب تقسيم كل نوع إلى شرائح؛ وذلك كمحاولة لتجنب العوامل المضعفة في التأثير عبر تحييدها، كما جاء في المبادئ (الأسس العلمية)، إضافة إلى تصنيف كل شريحة حسب العمر والجنس.
إنّ كل هذا يعني الوصول إلى أعداد من أنواع المستقبل صعبة الإحصاء، هذا وإذا ما أُرِيدَ إجراء الخطوة الثانية وهي تحديد الأهداف وعلى مستوييها الكلي والجزئي، فإن عدد العمليات الإعلامية التي يجب تصميمها لتحقيق أهداف المستوى الرابع، وهو عدد عمليات كبير أصلاً، سيضرب في عدد كل شريحة بعد ضربه في أعدادها حينما تقسم حسب العمر والجنس، مضروباً في كل نوع، مضروباً في كل صنف، وهكذا وصولاً إلى المنطقة الجغرافية الواحدة، وقد بلغت ثمانية مناطق جغرافية، هذه الأعداد من العمليات الإعلامية صعبة الإحصاء، فلنتخيل صعوبة تنفيذها إذا ما وصلنا إلى خطوة التنفيذ، إضافة إلى إزدياد عددها عند تطبيق مبدأي (التكرارية) و(التعددية) اللذين لابدّ من إعتمادها كما جاء في الأسس العلمية (المبادئ) كونها في العوامل المقوية للتأثير في المستقبل.
أمّا بالنسبة إلى المبدأين الأوّل والثاني على صعيد العوامل المقوية للتأثير في المستقبل وهما؛ توفير البيئة المناسبة وإستغلالها، آن توفرها زماناً ومكاناً، فإنهما غير ممكنة التطبيق عملياً، وذلك لوصول فئات المستقبل وعدد العمليات الإعلامية إلى الأرقام المشار إليها سلفاً، مما تحتاج إلى دراسات نفسية وإجتماعية لا حدود لها.
- وممّا تقدم نستخلص النقاط الثلاث التالية:
1- عدم إمكانية توفير البيئة المناسبة، أو إستغلالها آن توفرها.
2- عدم إمكانية تجاوز العوامل المضعفة في التأثير في مثل هذا المستقبل، لتعدد أصنافه وأنواعه وشرائحه، إضافة إلى كونه من النوع الأصعب في تمرير الرسالة إليه، فهو من النوع الثالث (المعارض للأفكار والمعلومات والمشاعر التي تحتويها الرسالة الإعلامية الموجهة إليه).
3- الصعوبة البالغة في تنفيذ هذه الأعداد المضطردة من العمليات الإعلامية على الصعيدين العملي والمالي.
مما يعني عدم إمكانية رسم إستراتيجية تتصف بالواقعية (العملية)، إذا ما تم الإستناد إلى الأسس العلمية (المبادئ)، وهو الشرط الذي يُكسب الإستراتيجية صفتي العلمية والشمولية اللتين لابدّ من توافرهما، لتكون الإستراتيجية، إستراتيجية ناجحة كما ثبت ذلك في تمهيد الفصل الثاني.
ويرى الباحث أنّه يمكن لإستراتيجية الإتّصال مع الآخر أن تتصف بالواقعية، دون أن تحيد عن الإستناد إلى الأسس العلمية (المبادئ)، أي مع إبقائها على التمتع بصفتي العلمية والشمولية عن طريق إستخدام الرسائل المستترة وأساليبها، - استناداً إلى مواصفاتها ومكوناتها كما جاءت في المبحث الثاني من الفصل الثاني - وذلك للأسباب التالية:
1- إنّ للرسائل المستترة القدرة على تحييد العمليات الإنتقائية، وذلك ببلوغها التأثير المطلوب (الأهداف)، عن طريق اللاوعي في المستقبل، إذ يتم التأثير فيه، وإن كان من النوع المعارض للأفكار والمعلومات والمشاعر الموجهة إليه عبر الرسالة الإعلامية، دون دراية منه، أي سوف لن تكون للمستقبل فرصة للإنتقاء (الإنتباه والإدراك) والتذكر).
2- إنّ للرسائل المستترة القدرة على إستثمار دور (قادة الرأي) إذ سيتم نشرهم في أوساطهم، للتأثير الذي تشربوه دون وعي منهم، معتقدين أنّه من صميم أفكارهم ومعلوماتهم ومشاعرهم، وهو التأثير المرسوم للرسالة من قبل المتصل.
3- إنّ للرسائل المستترة القدرة على تحييد التباين في المجتمع والفروق الفردية عبر تمرير الأفكار والمعلومات والمشاعر (محتوى الرسالة) بالأساليب غير المباشرة، من خلال ما تظهره من أنّها مجرد رسائل خفيفة ومسلية.
4- إنّ الرسائل المستترة تتماشى مع غايات المستقبل، وذلك بإختيارها للأهداف المعلنة والمحتوى المعلن اللذين يلبيان إهتماماته، ويحققان مصالحه، ويشبعان حاجاته.
5- إنّ للرسائل المستترة القدرة على (استقطاب وشد وتشويق) المستقبل، مهما كانت شريحته ونوعه وصنفه، ومهما كانت بين المستقبلين من فروق فردية.
وهذا يعني أنّ الرسائل المستترة، إضافة إلى تجاوزها للعوامل المضعفة، أي تطبيقها للمبادئ على صعيد العوامل المضعفة، فإنّها تقوم على استثمارها من ناحية، وعلى تقليص أصناف وأنواع وشرائح المستقبل وتحديدها في إطار اللغة، التي يمكن تجاوزها بالترجمة أو الدبلجة، ولابدّ من ذكر أنّه قد يكون للجنس دوافع لتنفيذ بعض العمليات الإعلامية من ناحية أخرى، وهذا يعني الهبوط بأعداد العمليات الإعلامية إلى المستوى الذي يمكن تنفيذه على الصعيدين العملي والمالي.
وللأسباب والنتائج نفسها، فإن الرسائل المستترة تتجاوز توفير البيئة المناسبة وإستغلالها آن توفرها، فيما يتعلّق بالعوامل السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والنفسية لجمهور المتلقين.
وعليه؛ فإنّ الرسائل المستترة يمكن أن تتجاوز النقاط الثلاث التي تجعل من إستراتيجية الإتّصال مع الآخر غير مكتسبة لصفة الواقعية، دون أن يكون هناك خلل في إكتسابها لصفتي العلمية والشمولية، أي مع بقاءها على إلتزامها بالأسس العلمية (المبادئ) التي تم إستخلاصها من معطيات الخلفية النظرية.
وبعبارات أخرى إن إستراتيجية الإتّصال مع الآخر، لكي تكون إستراتيجية متمتعة بصفات الإستراتيجية الناجحة، يجب أن تعتمد – على المستوى الجزئي – الرسائل المستترة في تصميم عملياتها الإعلامية، أمّا على المستوى الكلي، وإستكمالاً لتوفير صفتي العلمية والشمولية، فإنّه لابدّ من أن تلتزم ببقية الأسس العلمية (المبادئ)، وهي على صعيد العوامل المقوية للتأثير في المستقبل، المبادئ من (3-
، هذا لأنّها – عملية الإتّصال مع الآخر – قد تجاوزت المبادئ (الأسس العلمية) على صعيد العوامل المضعفة للتأثير في المستقبل، كما تجاوزت المبدأين الأوّل والثاني (توفير وإستغلال البيئة المناسبة) على صعيد العوامل المقوية للتأثير في المستقبل، وذلك بإعتمادها الرسائل المستترة، إضافة إلى إلتزام إستراتيجية الإتّصال مع الآخر، بالخطوات المحددة على صعيد الإجراء.
المصدر: كتاب إستراتيجية الإتِّصال مع الآخر (الإعلام الإسلامي متصلاً)