يتحدّث الكثيرون عن القوة الاقتصادية الصينية الصاعدة، التي يُعتقد أنها ستكون المنافس الأكبر للولايات المتحدة قبل انقضاء النصف الأول من القرن الحالي، لكن ذلك يخفي وراءه دماء ومعاناة ملايين العمال، كما يخفي سياسات التزوير الصناعي أو التقليد؛ حيث تقوم الشركات الصينية بتقليد الماركات العالمية وترويجها على أنها أصلية، كما تعتقد الصين أسلوباً آخرَ للإثراء هو السلع الرخيصة بمواصفات متدنية.
ويقضي ما لا يقل عن ستة آلاف عامل نحبهم سنوياً داخل مناجم الفحم بالصين، أغلبهم من المسلمين؛ مما يعني أن الإبادة هناك لا تتم فقط بالقتل المباشر بالرصاص أو بسكاكين "الهان" وفؤوسهم فقط!!
وتتركز مناجم الفحم في مناطق شمالٍ شرقي الصين؛ حيث يوجد 46 منجماً جميعها في حال خطرة، أو أفضلها يبدو على وشك الانهيار، أما عشرات الآلاف من المناجم الصينية المنتشرة في طول البلاد وعرضها فهي محرومة من أنظمة الحماية مما يعرّض العمال للخطر.
- أخطار دائمة:
ويرفض المسؤولون عن المناجم السماح لوسائل الإعلام بالحديث مع العمال البائسين الذين لا يستطيعون توفير الحد الأدنى من ضروريات الحياة لأسرهم، فضلاً عن الأخطار التي تهددهم في كل حين؛ بسبب الانهيارات داخل المناجم؛ فيموت المئات منهم دون أن تُدفع لذويهم أية تعويضات.
ولا يزيد راتب العامل الذي يقضي 12 ساعة داخل جحيم المناجم على 250 يورو في الشهر، وتقول زوجة أحد العمال: "أودّع زوجي صباحاً وأنا خائفة ألا يعود أبداً، فالأخطار تحيط بهم من كل جانب، وأنظمة الحماية غير متوافرة".
وتحاول الحكومة الصينية مواجهة مشكلة عدم الأمان في المناجم التي تؤدي بحياة عشرات الآلاف من العمال سنوياً في حوادث تزيد بشاعة عما كان يجري في المزارع الجماعية في العهد السوفييتي السابق، وأعمال السخرة في سيبيريا، كما تعمل الحكومة على إغلاق المناجم غير الآمنة، لكنها لا تستطيع الاستغناء عن الفحم؛ بسبب احتياجها المتزايد للطاقة لدعم اقتصادها المتنامي بشكل كبير.
- مطالبات حقوقية:
وكانت متظمة العمل، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان قد انتقدت بشدة الأوضاع المزرية للعمال في الصين، ولاسيما عمال المناجم، وطالبت الحكومة الصينية بتوفير الحماية الكافية للعمال الذين لا يملكون حق الإضراب والتوقف عن العمل كشكل من أشكال الاحتجاج المعروفة في العالم.
كما تطالب المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بتوفير الظروف الصحية اللازمة داخل المناجم لمنع انتشار الأمراض بين العمال، وزيادة رواتبهم بما لا يقل عن 500 يورو شهرياً، وتخفيض ساعات العمل من 12 ساعة إلى 6 ساعات فقط.. لكن الحكومة الصينية لم تقم بتنفيذ أيٍّ من التوصيات التي ترى المنظمات الدولية أنها ضرورية للحفاظ على آدمية العمال الصينيين.
- إجراءات حاسمة:
ويُتوقع أن تُتخذ بحق الصين عدة إجراءات لإجبارها على احترام عمال المناجم، من بينها فرض حظر على الصادرات التي تُنتج في مؤسسات يتم فيها استغلال العمّال سواء من الناحية الماديّة، أو الضمانات الصحية ومعاشات التقاعد، أو إجبارهم على قضاء ساعات طويلة تزيد على 8 ساعات داخل مقار العمل.
وقد وصلت الصين إلى أعتاب أوروبا بعد أن غزت سلعها المتنوعة القارة العجوز، وإيطاليا على وجه التحديد، فخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري (2009م) ارتفع معدل استيراد الأحذية الصينية بنسبة 700% تبعاً لتقرير المفوضية الأوروبية.. وقد يتبنى الاتحاد الأوروبي قرارات حازمة للحد من هذه المنافسة "غير المشروعة"، كما يراها الإيطاليون.
وتثير الصناعة الصينية المخاوف لدى الحرفيين الإيطاليين، فهناك خطر فقدان 300 ألف فرصة عمل، مما دعا وزارة الاقتصاد الإيطالية للمناداة باتخاذ إجراءات حاسمة للحد من المنافسة التي طالت الكثير من القطاعات، من بينها النسيج والأحذية مواد الزينة، بل والثوم أحد مكونات المطبخ الأوروبي الأساسية، والذي ينمو اليوم في ظل "سور الصين العظيم" على ما يبدو!