أكثر عشرة مواقع تلوثا في العالم

* إعداد: محمد عبود السعدي
من العسير إجراء جرد دقيق للمدن والمواقع الأكثر تلوثاً على وجه الأرض. فمعايير القياس تختلف من هذه المنظمة الدولية إلى تلك الجمعية البيئية. ومع ذلك، ثمة أسماء تتكرر في لوائح مختلفة. ونجد أن البلدان الثلاثة "الأوائل" هي الصين والهند وروسيا (بما فيها جانبها الآسيوي). وهذا يعني أن آسيا، الأولى نفوسا ومساحة في العالم، المتضررة الأولى من ظواهر صناعية لا تحمد عقباها.
في الحديث عن التلوث المدني، غالباً ما يأتي ذكر عواصم ومدن معروفة، ومنها بكين وهونغ كونغ وماكاو (وكلتاهما في الصين أيضاً)، ومكسيكو، فضلاً عن تشرنوبيل (في أوكرانيا). فهذه باتت ثاني موقع ملوث ذرياً، إثر حادث المفاعل النووي فيها، في 1986. أما المكان الأكثر تلوثاً نووياً، فليس إلا جنوب العراق، إثر "إشباعه" بأطنان من اليورانيوم "المنضب" من جانب سلاح الجو الأميركي، منذ تسعينات القرن الماضي. وهذا التلوث، بحسب الاختصاصيين، سيدوم لفترة تتراوح بين 70 ألفاً و4 ملايين عام. لكن القوائم المختلفة، التي تُصدرها مؤسسات أكثرها أميركية، "تتناسى" هذه المأساة، و"تقفز" مباشرة إلى تعديد المواقع الأخرى.
فمثلاً، تعدُّ لوائح معهد "بلاكسمث" وتقاريره، الأهم عالمياً في باب تحديد المواقع الأكثر تلوثاً على وجه "المعمورة". ويأخذ تحرير القوائم في عين الاعتبار عوامل متشعبة، منها: عدد السكان المتضررين بالتلوث، وشدة السموم المبثوثة في الجو والبيئة، وطبيعتها وعمرها. والملاحظ أن قوائم بلاكسمث المختلفة تضم، على الأغلب، مواقع ملوثة لأسباب صناعية وتعدينية، تخص استخراج المعادن والسبائك والفحم، أو نفث غازات سامة في الجو، وطرح مواد مضرة في الأنهار، جراء صناعات ثقلية. لذا، لا تأتي المدن الكبرى المعروفة سوى في مراتب بعيدة في قوائم "الثلاثين الوسخة"، التي يصدرها المعهد دورياً لتحديد المواقع الـ30 الأكثر تلوثاً في العالم.
وتظهر بكين، بسكانها الـ17 مليوناً، بين المدن الكبيرة الوارد ذكرها في آخر "تعداد" للمعهد النيويوركي. لكنها ليست في "العشرة الأوائل"، أو "توپ تن". ففي شوارع العاصمة الصينية، تسير أكثر من 3 ملايين و300 ألف مركبة وسيارة، بما تنفثه من غازات أول وثاني أكسيد الكربون، ما يشكل أول عوامل تلوثها. لكن ذلك لم يمنعها من تنظيم آخر دورة ألعاب أولمبية، في الصيف الماضي. ونشير أيضاً إلى عاصمة المكسيك، التي يُضرب بها "المثل" في التلوث، حيث يموت فيها بسببه 60 ألف شخص سنوياً. هي أيضاً، غير واردة في العشرة الأوائل، إنما في قائمة الثلاثين.
وعن هونغ كونغ وماكاو، ما الحال بـ"أفضل" من السابقتين في القائمة، التي أعدّها معهد بلاكسمث بالتعاون والتنسيق مع لجنة الصليب الأحمر الدولية، في جنيف (سويسرا). فهما أيضاً، غير واردتين في الـ"توپ تن". ومن المدن الأوروبية المعروفة بتلوث هوائها، غالباً ما يشار إلى برشلونة، في شمال شرق إسبانيا، حيث يموت سنوياً 1200 شخص من التلوث، الذي تفوق شدته هناك حتى لندن وباريس ونيويورك ولوس أنجلوس، وما هي من المدن "المثالية" نقاءً. فهواء برشلونة مشبع بـ55 ميكروغراماً في المتر المكعب من غازات سامة، ناجمة عن حركة المرور الخانقة مضافاً إليها دخان المصانع. وهذه نسبة عالية، تضع برشلونة في "منزلة" عالية على صعيد أوروبا من حيث التلوث. بل، تظهر عاصمة مقاطعة "كاتالونيا" الإسبانية في قائمة العشرة الأوائل لمؤسسة أخرى، أميركية أيضاً: "معهد موارد العالم"، المختصر برمز WRI (أي world Resources Institute)، ومقره في واشنطن.
فما هي إذن المواقع العشرة الأكثر تلوثاً في العالم بحسب لائحة معهد بلاكسمث؟ في آخر تقرير سنوي، نشر المعهد قائمته "البُنِيّة"، التي تضم تلك المواقع العشرة، لكن من دون ترتيب معين لشدة الخطورة، إنما بحسب التسلسل الألفبائي (بالإنجليزية طبعاً) لأسماء البلدان المعنية. وتستأثر آسيا بحصة مقلقة، خصوصاً بسبب النمو المذهل في الصين والهند، اللذين يمثلان، مجتمعَين، أربعة أعشار البشرية. وهذه هي لائحة بلاكسمث لأكثر عشرة مواقع تلوثاً في العالم:
- أذربيجان: "سُمغايت". تلوثها ناجم عن الصناعات الكيميائية العضوية، وارتفاع نسبة الزئبق بسبب الصناعات البتروكيميائية. ويشير تقرير بلاكسمث إلى أن سلطات المدينة الأذربيجانية احتجت على تصنيفها في القائمة "البُنِيّة"، ودعت المعهد إلى القدوم للاطلاع على حقيقة الوضع في.. "سُم غايت".
- الصين 1: "لينفن". تلوث ناجم عن أغبرة الفحم وحركة المرور ودخان المصانع. وتكمن الخطورة في العدد المرتفع للمتضررين: 3 ملايين شخص، تعاني نسبة مرتفعة منهم أمراض التنفس والتهاب القصبات الهوائية. كما ترتفع كثيراً نسبة الإصابات بسرطان الرئة والمجاري التنفسية، بالقياس إلى المعدلات العامة في الصين والعالم.
- الصين 2: "تيانيينغ". هنا أيضاً، التلوث ناجم عن أغبرة الفحم وما تنفثه مداخن المَعامل، لكن أيضاً عن استخراج بعض المعادن الثقيلة. إلا أن عدد المتضررين 150 ألف شخص "فقط".
- الهند 1: "سوكندا". تلوث متأتٍّ من استخراج معدن الكروم، ومن الفضلات الصناعية. وعدد المعنيين مرتفع: مليونان و600 ألف نسمة. مثلما يذكر التقرير، يعترض صناعيو المدينة على إدراجها في القائمة.
- الهند 2: "فاپي". استخراج معدن الكروم وفضلات الصناعة، هنا أيضاً، المسؤولان عن التلوث. وفي المنطقة، ترتفع نسبة الزئبق في الماء بمقدار 96 في المئة عن المعدل المسموح. لكن عدد المشمولين، 70 ألف شخص، أهون شراً بكثير من الموقع الهندي الآخر، سوكندا.
- پيرو: "لا أورويا". التلوث فيها آتٍ من صناعات الصلب والمعادن الثقلية. ويشير تقرير المعهد إلى أن شركة "دُورَن" الأميركية، صاحبة مصانع الحديد والصلب هناك، دعت من جانبها المعهد إلى زيارة "لا أورويا". لكن التقرير يصر على أن أنشطة الشركة، ومقرها في الولايات المتحدة، تظل العامل الأساسي في تلوث "لا أورويا"، التي تمثل الموقع الوحيد في أميركا اللاتينية.
- روسيا 1: "جرجنسك". أسباب التلوث عديدة: الصناعات الكيميائية، وانتشار جزيئات سامة في الجو بسبب الصناعات الكيميائية، التقليدية، فضلاً عن وجود مناجم لمعادن ثقيلة. وهذه الآفات تضر بصحة 300 ألف نسمة في المدينة، الواقعة في الجانب الأوروبي من روسيا، على بعد 280 كيلومتراً إلى شرق موسكو.
- روسيا 2: "نوريلسك". مرد تلوثها مطابق تماماً لسابقتها: الصناعات الكيميائية والجزيئات السامة في الجو بسبب الصناعات التقليدية واستخراج معادن ثقيلة. فـ"نوريلسك" هذه تستأثر بخُمس ما يُنتج من نيكل (قصدير) في العالم. والطريف: رئيس الشركة المحتكرة إنتاج القصدير في المدينة هو.. فلاديمير پوتين. وتعترف سلطات المدينة بحقيقة الوضع، مثلما يؤكد تقرير بلاكسمث السنوي، الذي يشيراً أيضاً إلى أن المدينة، الواقعة في شمال سيبيريا، في الجانب الآسيوي من روسيا، عازمة على دراسة مشروعات، بالتعاون مع المعهد، تهدف إلى تخفيف حدة التلوث هناك، الذي يصيب 134 ألف نسمة.
- أوكرانيا: "تشرنوبيل". المكان غني عن التعريف منذ الحادث النووي الشهير، في 1986. ومثلما ذكرنا، تعد تشرنوبيل، وضواحيها، ثاني أكبر موقع ملوّث ذرياً في العالم، بعد جنوب العراق.
- زامبيا: "كابوي". سبب التلوث: استخراج الرصاص. فالرصاص قاتل، حتى من غير مسدس أو بندقية. و"كابوي"، التي يُضر تلوثها بأكثر من 280 ألف شخص، تشكل الموقع الأفريقي الوحيد في قائمة العشرة.
ومن اللافت أن عدداً من المواقع العشرة يتكرر في لوائح أخرى، تصدرها مؤسسات أخرى معنية برصد التلوث. كما يُلاحظ أن أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا "معصومة" في قائمة العشرة، بينما لا يجهل أحد أن الولايات المتحدة الأميركية، التي تمثل 6 في المئة من سكان العالم، تستأثر لوحدها بنسبة 25 في المئة من تلوث الأرض. وطبعاً، ثمة عشرات الحواضر في العالم، لاسيما المكتظة، المصابة بهذا الداء. لكن، هنا، أوردنا المدن والمواقع ذات الإصابات الأخطر. وفي منطقتنا العربية، لو أجريت دراسات دقيقة لنسبة الغازات السامة في المتر المكعب من الهواء، لتبين أن بعض حواضرنا ذات الكثافة السكانية العالية، وحركة المرور الخانقة، ليست أنقى هواءً من باريس ولندن ونيويورك، لكن ربما أهون من برشلونة، وقطعاً أقل وطأة من بكين ومكسيكو وهونغ كونغ والمواقع العشرة آنفة الذكر.