مبارك عبد الله
اعتبر أن تربية الطفل العربي لا تغرس فيه حب القراءة لا في البيت ولا في المدرسة، ويرى د. عبدالله أحمد الفيفي أستاذ الأدب الحديث بجامعة الرياض أن مستقبل القراءة في العالم سيكون إلكترونياً لا ورقياً، وشرح في حواره الآتي الاليات التي يجب أن تتبعها الحكومات لتفعيل القراءة في المجتمعات العربية.
* يقول البعض: إن نسبة قراءة الفرد في الوطن العربي تزداد تضاؤلاً يوماً بعد يوم.. ما رأيك؟
- أعتقد أن مستقبل القراءة في العالم عموماً سيكون إلكترونيّاً لا ورقيّاً؛ فإذا كان الأمر يتعلّق بتضاؤل قراءة المطبوع الورقيّ، فهذا في العالم أجمع، لا في العالم العربي فقط، فبإمكان المرء اليوم أن يحصل على مكتبة كاملة في قرصٍ حاسوبيّ، أو يطالعها عبر شبكة الإنترنت.
* لماذا لا تقرأ أمّة محمَّد (ص) رغم أن أوّل آية نزلت على سيدنا محمّد (ص) هي: (اقْرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) (العلق/ 1)؟
- نعم، أمّة "اقرأ.. وارقَ"لا تقرأ ولا ترقَى! وعدم قراءتها تراثٌ عريق، منذ مقولة "العلم في الصدور لا في السطور"، المحفوظ في الذاكرة، المكرور كابراً عن كابر، دون زيادة ولا نقص ولا نقد، لا بل إن عرب اليوم- ولتردّي علاقتهم المزرية بلغتهم العربية، ومأزقهم في ازدواج المنطوق والمقروء- هم من أكثر الأمم، إن لم يكونوا أكثرها، معاناة في قراءة النصّ المكتوب (dyslexia) ثم جاءت التقنية الحديثة، من حاسوبيّات وإنترنت، وقنوات تلفزة، وهواتف جوّالة، لتنقلب في دنيا العرب إلى وسائل شفاهيّة أيضاً، تُلهي أكثر من أن تُفيد، كما كان يمكن أن تفعل، فكيف تقرأ أمّة محمّد (ص) وهذه حالها؟!
* لمن تقرأ الفئة القليلة؟
- تقرأ لمن قدّم لها ما لذّ وسهل؛ ذلك لأن القراءة تربية وثقافة، وتربية الطفل العربي لا تغرس فيه حُبّ القراءة، لا في البيت، ولا في المدرسة، ففي البيت: الأُمّ أُميّة، أو متعلّمة مبرمجة، وفق رؤى محدودة، والأب: إن كان متعلّماً، لم ير في القراءة إلّا وسيلة إلى وظيفة، إن هو قرأ بعد نيل شهادة دراسية ما، قرأ ما يجترّ من خلاله أطياف مخيّلة خرافيّة، أو قرأ للتسلية وتمضية الوقت، ونماذج المدارس التربوية مستنسخات عن تلك الأُمّ وذلك الأب، وعليه فأكثر الكتب رواجاً في العالم العربي: الكتب الدينية المثيرة- ولاسيما إذا كانت تدور حول الجِنّ والعفاريت وعالمهم- ثم كتب الأدب الشعبيّ، وكتب الطبخ!
* ماهي الآليات التي يجب اعتمادها من أجل تفعيل القراءة؟
- كان يجب أن تكون المناهج المدرسية مرغِّبة في القراءة والاطلاع، مشجّعة عليهما، محفّزة إليهما، وأن تنهض التربية والتعليم على تنمية البنية التساؤلية في الذهن، وإثارة التفكير والخيال وتذوّق الجمال، لا على تلقين المدوّنات وتحفيظها. أمّا المؤسسة الثقافية العربية، فلابُدّ لها- إن أرادت أن تستحقّ اسمها- أن تتجاوز انحصارها بين حدَّي الحرية المغيّبة، والإعلام المُعلّب، من أجل بثٍّ ثقافي جادٍّ وفعلٍ إعلاميٍّ مسؤول.
* هل للبرامج التعليمية دور في أن يكون معدل القراءة 6 دقائق للفرد العربي في العام الواحد مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا أو أمريكا؟
- بالتأكيد، فالمدرسة لدينا يغدو الكتابُ فيها عذاباً، يَرسم عن القراءة في وجدان الطفل صورةً كابوسيّة، تُلاحقه منذ نعومة أظفاره، لا يفتكّ منها إلا بِرَمْي كتابه عُرض الشارع بعد الامتحان! فلا الكتاب المدرسي مشوّق، ولا المعلّم يزيد الكتاب إلّا ثقلاً، ولا للمكتبة المدرسيّة وجود، والنتيجة أن يكره الطفل القراءة وينشأ على ذلك؛ لذا، لا غرابة ألا يُنافس نسبة الأُمية منافسٌ في عالمنا العربي، إنْ بمعناها الحرفيّ أو الفكري أو الحضاري، ولا عجب ألا يعدو معدّل قراءة المواطن العربي في السنة دقائق معدودة، ولا أن تشير إحصائياتٌ إلى أن المعدّل التراكمي لقراءة الفرد في العالم العربي في عام كامل: رُبع صفحة- للأمانة، قد تزيد أسطراً أو تنقص!- في حين أن المعدّل العالميّ لقراءة الفرد الواحد يصل إلى أربعة كتب في السنة، وفي أمريكا يصل إلى أحد عشر كتاباً! يَحدث هذا كلّه في عصر جَعَلَ أهلوه يتحدّثون عمّا يُسمّى عِلم "الببليوثرابيا"، أو العلاج بالقراءة، فهل من علاج للقراءة لدينا قبل العلاج بالقراءة؟!