* دراسة بقلم: أ. د. أحمد فؤاد باشا
يعاني المجتمع البشري حاليا من إشكاليات أخلاقية في تعامله مع ما يواجهه من تحديات بيئية خطيرة نذكر منها: التلوث الكهرومغناطيسي والنفايات الإلكترونية. احترار الأرض وتغيرات المناخ، الموصلات الفائقة والطاقة النظيفة وهذه العناصر ينتج عنها تلوث بيئي خطير يتوقع الخبراء أن يكون له تأثيرات كبيرة على الإنسان والبيئة في المرحلة القادمة وسوف نتناول هذه العناصر بالتفصيل:
(أ) التلوث الكهرومغناطيسي والنفايات الإلكترونية: ينتج هذا النوع من التلوث من الموجات الكهرومغناطيسية التي تملأ الجو المحيط بنا، وتنشأ هذه الضوضاء اللاسلكية عن مئات المحطات الإذاعية والتلفازية التي تبث برامجها ليلاً ونهاراً دون انقطاع في مختلف أنحاء العالم، كما تنشأ الموجات الكهرومغناطيسية والمجالات المغناطيسية عن شبكات الضغط العالي التي تنقل الكهرباء مسافات بعيدة في كثير من الدول المتقدمة والدول النامية، وتتضمن هذه الشبكات عشرات من محطات القوى والمحولات ومحطات التقوية، أضف إلى ذلك شبكات الموجات الدقيقة (الميكروويف) المستخدمة للاتصالات الهاتفية في كثر من الدول، وتشير النتائج الأولية للأبحاث الجارية في هذا المجال لهذا التلوث الكهرومغناطيسي على صحة الإنسان، وخاصة فيما يتعلق بعمل المخ وأداء الجهاز العصبي، فقد بينت بعض دراسات أجريت على الإنسان وجود آثار على معدل ضربات القلب وزمن الاستجابة عن التعرض لمجالات عالية الشدة.
وفيما يتعلق بأمواج الراديو وأمواج الميكروويف فإنها إشعاعات غير مؤينة، حيث إن طاقتها المنخفضة جداً لا تكفي لإحداث تأين في المادة، وتدخل أمواج الميكروويف وأمواج الراديو في كثير من التطبيقات التكنولوجية الحديثة، مثل عمليات صهر المعادن واللحام والتجفيف واللصق وإنتاج البلاستيك والتعقيم، وقد وضحت الدراسات أن أشعة الميكروويف لها بعض التأثيرات الضارة على صحة الإنسان، تظهر أعراضها في صورة الصداع والقلق النفسي والأرق وعدم القدرة على التركيز والشعور بالإعياء بصفة عامة.
وقد ثبت أن التعرض لأشعة الميكروويف يمكن أن يكون له تأثير على إصابة العين بالمياه البيضاء "كتراكت" إذا تعرضت العين لهذه الأشعة بكثافات عالية، ونبهت بعض الأبحاث الجديدة إلى أخطار قد تصيب الحمض النووي أن الدماغ بسبب تعرضه للتسخين، وأيضاً من خطر إصابة العصب السمعي بالسرطان.
ويزيد من احتمالات الضرر والأخطار ذلك الإكثار بمعدلات هائلة من استخدام الاتصالات اللاسلكية والموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية والكهربائية المنتشرة في المناطق السكنية، وهو ما أصبح معروفاً باسم خطر التلوث الإلكتروني" الذي ملأ الجو المحيط بالإنسان بما سماه بعض الباحثين "الضبخان" (الضباب والدخان) الإلكتروني أو E. smog، بمعنى أننا لو استطعنا رؤية ما في الجو من موجات كهرومغناطيسية لكانت أشبه بالضباب أو الدخان من كثرتها.
وقد ظهر في العقدين الأخيرين مصطلح جديد هو "التلوث الإلكتروني" انعكاساً لما يشهده العالم بعد ثورة المعلومات والاتصالات، من إنتاج كميات كبيرة من الأجهزة الإلكترونية والكهربية إلى الحد الذي جعل من مكونات هذه الأجهزة نفسها مصدراً مؤكداً لأخطار فرضت سطوتها على حياتنا اليومية، فهذه الأجهزة لا يتوقف سيل إنتاجها يومياً بكميات خيالية مع مرور الزمن والانتهاء من استخدامها، تضر بالبيئة وبالصحة العامة عندما يتم التخلص منها، يكفي أن نعرف، على سبيل المثال، أن عدد الحواسيب الشخصية المنتجة حتى أواسط عام 2006م يتجاوز حدود المليار، وبحسب التقديرات الإحصائية في ألمانيا وحدها ينشأ نحو مليون ونصف المليون طن من النفايات الإلكترونية، ومن هذه الكمية نحو 120ألف طن من نفايات تكنولوجيا المعلومات (أجهزة فاكس. طابعات. ناسخات. هواتف. شاشات حواسيب... إلخ). وإحدى طرق التخلص من هذه النفايات هي دفنها في مطامر النفايات العادية، وإذا كانت مادة الرصاص الموجودة في المطامر هي أحد أكبر ملوثات التربة والبيئة والأخطار الصحية على النبات والبشر والحيوانات، فإن ما بين 40 و50% بالمائة من مادة الرصاص الموجودة في المطامر هي نتاج الأجهزة الإلكترونية.
ومما يدعو إلى الأسى والأسف أن الدول الصناعية الكبرى تتخلص من مثل هذه النفايات الإلكترونية بتصديرها لدول العالم الثالث أو الدول الفقيرة بثمن بخس بحجة المساعدة، حيث تمنع القوانين الصارمة في تلك الدول التخلص العشوائي، أو التسبب في إحداث أضرار بيئية، ومن ثم يتم تصدير هذه الفضلات على ظهر سفن دول آسيوية وأفريقية، لتقع في أيدي العمال الذين يعملون في قطاع إعادة التصنيع ويتعرضون لأخطارها.
فالهند مثلاً، تعتبر من أهم الدول التي يتم تصدير تلك النفايات إليها لدرجة أن البعض لم يجد حرجاً في وصفها "بمقبرة الفضلات الإلكترونية"، وقد انتبهت الحكومات الهندية مؤخراً لهذا الأمر، فأصدرت المحكمة العليا في الهند عام 1997 قراراً يحظر استيراد الفضلات الإلكترونية، ولكنه لم يطرق عملياً بسبب تحايل المصدرين والمستوردين عليه.
وفي الصين، كمثال آخر، أكد تقرير صدر عن الأمم المتحدة أواخر عام 2006م أن قرى تقع جنوب الصين، يتم فيها تفكيك الأجهزة الإلكترونية القديمة، ومن ثم يتم رمي الأجزاء غير النافعة في الحقول وعلى ضفاف الأنهار، وهو ما أدى الى تلوث المياه الجوفية وزيادة تلوث مياه الأنهار بمعدلات كبيرة، كما أن الأطفال والنساء العاملين في تفكيك هذه الأجهزة الإلكترونية في الصين تعرضوا لأمراض كثيرة، في مقدمتها السرطانات الصدرية والجلدية.
وقد أوضحت إحدى الجامعات الأمريكية في إحصائية لها مؤخراً أن الشركات الأمريكية تتخلص من نحو 50 مليون جهاز حاسوب قديم سنوياً عبر تصديرها إلى الصين والهند وباكستان، حيث شهدت هذه البلدان وغيرها بروز صناعة جديدة لتأهيل الحواسب المتقادمة، ومما يزيد من خطورة هذه الظاهرة هو عدم وجود قوانين تحمي العاملين في مجال التخلص من النفايات الإلكترونية التي تظهر آثارها على المدى البعيد في تلك الدول.
وفي تقرير آخر صدر عام 2006م تحت إشراف الأمم المتحدة، وأعده نحو 1300 باحث بشأن مصادر التلوث في العالم، وردت الإشارة إلى أن جهوداً غير عادية يتعين بذلها باعتبارها ضرورية لمواجهة مثل هذه الأخطار التي تهدد حياة الإنسان، وبناء على هذا التقرير بادر البرلمان الأوروبي إلى إصدار قانونين ينظمان عملية إعادة تأهيل الأجهزة الإلكترونية المتقادمة وإيجاد آلية للتخلص من نفاياتها.
وكانت اتفاقية "بازل" الموقعة في عام 1989م لحظر توريد النفايات الإلكترونية إلى الدول الفقيرة والنامية قد نصَّت على وضع قوانين حماية للعاملين في مجال الصناعات الإلكترونية، خاصة العاملين في إعادة تأهيل الأجهزة الإلكترونية المستعملة أو تفكيكها في الدول النامية، ولكن الغريب هو أن معظم الدول المتقدمة صناعياً لم توقع حتى الآن على هذه الاتفاقية، ومن ثم استمرت المشكلة في التفاقم، ففي دراسة أجرتها حديثاً هيئة تسمى "شبكة بازل للعمل"، ظهر أن ما لا يقل عن مائة ألف حاسوب تدخل شهرياً إلى ميناء "لاجوس" النيجيري، منها 75% تقريباً أجهزة تلفزيون ومعالجات حاسوبية هواتف لا تعمل، أي (قمامة إلكترونية).
أما بالنسبة للهواتف الخلوية "النقالة أو المحمولة" فإن من أهم مكوناتها مادة الكولتان coltan، وهي اختصار لكلمة colombotantalite ويستعمل هذا المعدن غير الخالص لمقاومته الكبيرة للحرارة والتآكل، وأيضاً لمرونته، لكنه يمثل مشكلة كبيرة في استخراجه من المناجم، حيث يترافق مع الاستخراج كوارث بيئية وصحية خطيرة، وقد صدرت تقارير عدة عن هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة، في العامين 2001، 2002م، أدانت عمليات التنقيب غير الشرعية في مناجم معدن الكولتان في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودورها في حرب الإبادة التي تتعرض لها مناطق المناجم، إذ بلغ عدد المتوفين ما بين عامي 1988و 2007م أكثر من ثلاثة ملايين شخص!! هذا بالإضافة إلى دور هذه العمليات في القضاء على الغابات والجداول المائية، فضلاً عن المجازر ضد الحيوانات التي يصطادها عمال المناجم في بحثهم عن الطعام، ويتم نقل معدم الكولتان المستخرج من هذه المواقع بواسطة الطائرات، ثم يباع إلى شركات كبرى مختلفة الجنسيات، في أمريكا الشمالية وأوروبا وروسيا، دون مراعاة الأخطار الكبيرة الناجمة عن الاستخراج والبيع، وكان الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة، في تقرير له عام 2001م، قد ناشد حكومات دول العالم والمجتمع الدولي الامتناع عن شراء الكولتان.
هكذا يتضح أن صناعة التقنيات الإلكترونية والكهربائية الحديثة بعيدة جداً عن الصورة النظيفة التي تحاول أن ترسمها لنا، ويؤمل أن تتخذ التدابير اللازمة في المستقبل القريب لإيجاد حلول سيل الأخطار التي تجلبها هذه الأجهزة ونفاياتها وإشعاعاتها علينا وعلى بيئتنا.
(ب) احترار الأرض وتغيرات المناخ: سوف ينجم عن التغير المناخي موجات حر وعواصف وفيضانات تلحق الأذى بعدد كبير من الناس، كما أن أمراض المناطق المدارية سوف تصبح أوسع انتشاراً من احترار المناخ، وسوف تؤدي التغيرات التي تطرأ على أنماط الأمطار إلى نقص محلي في الغذاء ومياه الشرب المأمونة، كذلك سوف تؤدي الهجرات البشرية الواسعة النطاق، والتي تنجم عن ارتفاع منسوب البحر، وغير ذلك من الإجهادات التي يسببها المناخ، إلى إفقار عدد كبير من الناس، وتشير بعض الإحصاءات إلى مدى ما سوف يسببه تغير المناخ من أذى، فعدد الوفيات نتيجة لموجة الحر التي أصابت أوروبا في عام 2003 يقدر بنحو 35000 نسمة، وفي عام 1998م ألحقت الفيضانات في الصين الضرر بنحو 240 مليون شخص، وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، تجاوز عدد الوفيات جراء التغير المناخي لغاية عام 2000م نحو 150,000 نسمة سنوياً.
ولما كانت المشكلة على هذا النحو تدعونا إلى اتخاذ موقف أخلاقي يوازن بين أهمية الرخاء الذي يعيشه الجيل الحاضر، مقابل احتمال التغيرات المناخية التي تحد من سعادة الأجيال القادمة، فإن أهل الاختصاص في الاقتصاد والفلسفة الأخلاقية يطرحون نظريتين أخلاقيتين: إحداهما تتبنى مبدأ الأولوية Prioritarianism عندما يحصل شخص غني على منفعة ذات قيمة اجتماعية أدنى من قيمتها عندما يحصل عليها شخص فقير. فمبدأ الأولوية هذا يعطي الأولوية للأقل ثراء، والأخرى نظرية بديلة تتبنى مبدأ المنفعة Utilitarianism التي تحتفظ بالقيمة نفسها بصرف النظر عمن سيحصل عليها.
وإذا كان من الممكن معالجة العديد من المسائل الأخلاقية بالفطرة السليمة أو بالاستناد إلى معرفة رفيعة المستوى، فإن المبدأ الأخلاقي الأولي ينبئنا بأنه يجب أن نحاول التوقف عن إلحاق الضرر بالآخرين من أجل منافعنا الخاصة، وأن نعوض الناس الذين نلحق الضرر بهم، والمبدأ نفسه ينبئنا أيضاً بأن ما يجب أن نقوم به في مجال التغيير المناخي ليس مجرد تقدير المنافع مقابل التكاليف.
(جـ) الموصلات الفائقة والطاقة النظيفة:
لقد كان مفهوم الأمن القومي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة مقتصراً على البعد العسكري متمثلاً في ضمانات الحفاظ على الأسرار السياسية والحربية وتوفير القدرات اللازمة لحماية حدود البلاد والدفاع عنها، لكنه- مع استقلال عدد كبير من بلدان العالم الثالث الساعية إلى التحرر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. أصبح يمثل أيضاً توفير الحماية الكاملة للوطن والمواطن في آن واحد معاً، ومن ثم فإنه يعاني توفير الضمانات الكافية لحماية العقل والثقافة والهوية والقيم والخصوصيات المميزة للمجتمع بأسره.. ولهذا فإنه أي الأمن، يعتبر من الاحتياجات الأساسية للإنسان الفرد، ومن أبسط حقوقه في الإحساس بالطمأنينة والأمان على يومه وغده.
ولما كانت مراكز البحوث العلمية والتقنيات المتقدمة قد تدخلت خلال العقود الأخيرة في رسم وتوجيه الإستراتيجيات المتعلقة بكل صور الأمن وعناصره، وأصبحنا في عصر الغزو والتهديد عن بعد بتخريب النفوس والعقول، بات ضروريا أن نفطن إلى أهمية التعليم والبحث العلمي لتلبية احتياجات الأمة وضمان أمنها القومي الشامل المعتمد على التفوق في علوم وتقنيات حاكمة لحركة الحياة في المستقبل القريب والبعيد.. ومن هذه العلوم والتقنيات الحاكمة تخصصات نوعية في مجالات الطاقة والفضاء والبيولوجيا والمعلومات والاتصالات والمواد الجديدة وغيرها. وهذه كلها من علوم العصر التي لا غنى لبحث أو دولة عن التعمق فيها ومتابعة مستجداتها لتحقيق الأمن الصحي المتمثل في اكتشاف الأمراض وتوفير الغذاء والدواء، وتحقيق الأمن البيئي بالتحكم في العلاقة بين طموح الإنسان تقنياً وصناعياً وتأثير ذلك على توازن البيئة من حوله وحسن استثمار مواردها، وتحقيق الأمن الاقتصادي المؤدي إلى رفع مستوى المعيشة والارتقاء بحياة الفرد وتنمية المجتمع.
خاتمة.. بلغة الأرقام
من أهم خصائص دراسات التقويم والجدوى، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحيوية في حياة الأفراد والمجتمعات، وأنها تعتمد على التقديرات الإحصائية والتعبير عن الأشياء بكمياتها حتى تسهل المقارنات وتتضح الفروق وتبرز المعدلات الحقيقية لجهود التنمية في صورة أرقام ونسب مئوية تقطع الطريق على المزايدين والمضللين، وتدعم مبررات المتفائلين أو المتشائمين.
تقول إحصائيات الرصد العالمي أن حوالي خمس سكان العالم يعيشون الآن بمتوسط دخل يقل عن دولار في اليوم، وحوالي السدس يفتقرون إلى مياه الشرب النقية، وحوالي الثلث يفتقرون إلى الصرف الصحي الأساسي، وإن التعداد سيتضاعف أكثر من مرة ونصف المرة بحلول عام 2050م ليبلغ حوالي عشرة مليارات نسمة، وإن مصادر الوقود التقليدية من بترول وفحم وغاز طبيعي سوف تنقضي بمقدار 80%، وإن الغابات القائمة على المطر سوف تنخفض بنسبة 45%، كذلك تقول الإحصاءات الحديثة إن 96% من الزيادة السكانية تحدث في الدول النامية، وإن دخل الفرد أعلى 40 مرة في الدول المتقدمة من الدول الأقل نمواً، وإن معدل وفيات الأطفال أعلى عشر مرات في الدول النامية منه في الدول الصناعية.
من ناحية أخرى، توضح الدراسات والإحصاءات البيئية أن حوالي ربع فصيلة الثدييات البالغ عددها حوالي 4700 نوع، و11% من إجمالي فصيلة الطيور البالغ عددها حوالي 9700 نوع في المتوسط قد اختفت تماماً، وذكرت تقارير البنك الدولي، التي قدمها في الآونة الأخيرة بشأن تقديرات تكلفة التدهور البيئي في بعض البلدان العربية، أن إجمالي تكلفة الضرر الناتج عن التدهور البيئي في الدول العربية بناء على بيانات عام 1999م تتراوح بين 1,2% إلى 8,4% من إجمالي الدخل القومي، ويقصد بالتدهور البيئي استنفاد الموارد الطبيعية وزيادة معدلات التلوث، بما في ذلك زيادة تآكل التربة وملوحتها وسوء إدارة مياه الصرف، وغير ذلك مما تتبعه بالضرورة زيادة تكلفة الأضرار بمعدلات تنذر بعواقب وخيمة في المستقبل وتؤثر سلباُ على الاقتصاد القومي.
إن كل ما ذكرناه من أرقام وإحصاءات هو بطبيعة الحال مؤشرات عامة توضح أن مجتمعات الصدارة في حضارة القرن الواحد والعشرين هي التي نجحت أو تسعى إلى النجاح في امتلاك القدرة العالية لإحداث التنمية الفكرية البيئية، ولديها القدرة على مواجهة التحديات وابتكار حلول للمشكلات وتحقيق تكامل تام بين فروع المعرفة من جهة ومختلف مجالات النشاط الإنساني من جهة أخرى، وبقدر قوة كل منظومة وقدرة ترابطها مع غيرها في كل هذه الميادين، تكون قدرة المنظومة الكبرى التي تقود حركة المجتمع على طريق التقدم والرخاء.
نعم.. المعرفة والتفاعل البناء هما وقود الإصلاح الحقيقي الذي يفي باحتياجات الحاضر دون انتقاص من حق الأجيال التالية في استيفاء احتياجاتهم، وهنا يتعين على أعضاء المجتمع الواحد أن يتفاعلوا ويتعاونوا لتحقيق برامج إصلاحية حقيقية قائمة على العلم وفقه الواقع، كما يتعين على البلدان العربية والإسلامية مجتمعة أن تتعاون مع بعضها بإطلاق برامج مشتركة ومشروعات بحث وتطوير تحدد فيها سلم الأولويات