* عبداللطيف كمال الجوهري
لابدّ لأي جماعةٍ بشرية وأمّة ناهضةٍ من منظومةٍ قِيَميّةٍ ومبادئ أخلاقية ترتكز عليها في نهضتها وصوغ أهدافها ورسالتها ومثلها العليا؛ لتحقيق طموحها في حياتها المنشودة وآمالها في حياة العزة وعزة الحياة، ولا تكاد منظومة القيم ومبادئ الأخلاق اللازمة لنهضة المجتمع البشري أو أي أمة من الأمم الإنسانية تختلف كثيراً عن بعضها، وقد تحققت تلك القيم والمبادئ الأخلاقية في تأسيس دولة الإسلام الأولى على يد رسول الله محمد بن عبدالله (ص)، وعلى يد أصحابه الكرام في المدينة أول عاصمة لدولة الإسلام والمسلمين، وعلى تلك المبادئ نهضت حضارة الإسلام واتسع سلطانه السياسي ليشمل الربع المسكون في العالم القديم في بضع عشرات من السنين، وانطلق أتباع الرسول الخاتم (ص) في مشارق الأرض ومغاربها لا طلباً للسلطة واستعباد الشعوب ونهب خيراتها ولا طمعاً في زينة الملك وإقامة الدولة الإمبراطورية؛ وإنما لهداية الشعوب إلى نور الحق والتوحيد والعدل والحرية والإنسانية الحقة؛ فدانت لهم شعوب الأرض وكانوا في ذلك خير هداة وأرحم الفاتحين بشهادة المنصفين من المؤرخين والأجانب.
ولكن في الحياة المعاصرة، نرى الإنفاق على التسلح وغزو الفضاء ممّا لو استثمر لعلاج مشكلات الفقر والجوع في العالم لوسع البشرية جمعاء، ونرى من لا يملك يعطي حقاً لمن يستحق، كما فعل "بلفور" وزير خارجية بريطانيا، وأعطى فلسطين لليهود في جميع أنحاء العالم لتكون لهم وطناً، وتتأسس مأساة إنسانية تشكو إلى الله افتقار الضمير والأخلاق في عالم البشر، ونرى توجهاً اقتصادياً يعمد إلى كسب المال والثراء على حساب استغلال الفقراء من العمال، والتعامل مع المال باعتباره سلعة لا وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة من خلال نظام رِبوي يستخدم وسائل المضاربة والمتجارة في الأوراق المالية، وعبادة المال والاستئثار به في جيوب الأغنياء وأصحاب الشركات العالمية الرأسمالية في مناخ يفتقد إلى العدالة الإنسانية ورحمة الإنسان من توظيف المال وحسن الانتفاع به بعيداً عن الاكتناز