* سارة علي
"الحروف المتعاقبة على العراق دفعت الكثير من العراقيين إلى مغادرة وطنهم، والسعي إلى التوطين في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وقد تزايد هذا الوضع بشكل واضح بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، ودفع الكثير من العراقيين إلى ترك بلدهم بسبب العنف الدائر في العراق، وبسبب عدم الاستقرار في مختلف نواحي الحياة، وأصبح التوطين في الخارج هو الأمل المنشود والحل للخروج من مأزق العراق، ولكنَّ للتوطين أخطاراً وتوابع جمة قد تغيب عن هاجس المواطن العراقي أو يتغافلها بسبب الوضع السيئ الذي يحيط به".
بعض الدول الأوروبية- إن لم نقل أكثرها- تسعى لتوطين النصارى العراقيين، لكي تكون عملية الانسجام في مجتمعاتهم أسهل من المسلمين الذين يرغبون في التوطين والحصول على جنسيات تلك الدول، ومن ضمن تلك الدول ألمانيا، وهذا ما صرح به ودعا إليه وزير الداخلية الألماني "فولفجانج شويبله" الدول الأوروبية- في أبريل 2008م- إلى "بذل المزيد من الجهود من أجل توفير المأوى للنصارى من اللاجئين الذين فروا من العراق إلى الدول المجاورة؛ لتفادي العنف العِرقي بعد الغزو في عام 2003م".
وأغلب الدول الأوروبية تفضل استقطاب وتوطين النصارى العراقيين، وتشترط ذلك ضمن الشروط والمواصفات التي تقدمها إلى قسم التوطين في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في مراكزها في الأردن وسورية ومصر.
- إعادة قسرية
تملك الدول الأوروبية التي تمنح اللجوء للعراقيين حق إعادتهم قسراً متى شاءت أو رغبت، وهذا يجعل الفرد العراقي يشعر بعدم الاستقرار الدائم..
- ففي بريطانيا: ما أن يُرفض طلب لجوء أحدهم ولا يتبع ذلك استئناف للقرار حتى يُصبح من المتوقع أن يغادر البلاد خلال 21 يوماً، فيتوقف الدعم المالي وتوفير الإقامة له، إلا فيما يخص العائلات.. وعند ذلك، يصل العديد من العراقيين إلى حد الشعور باليأس، وقد عاد بعضهم فعلاً إلى العراق.
- وفي هولندا: تُقطع المساعدات- التي تُقدم أثناء نظر طلب اللجوء- بعد أربعة أسابيع من رفض الاستئناف الثاني، وعند هذا الحد، يُطلب من طالبي اللجوء كذلك مغادرة مكان إقامتهم.. ويُتوقع ممن يُرفض طلبه للجوء أن يغادر "طوعاً" فليس من حقه البقاء في هولندا، كما لا يحق له استخدام أي مرفق من المرافق، ولذا، فإن العديدين يُجبرون في نهاية المطاف على العودة "الطوعية".. بيد أن العراقيين القادمين من وسط وجنوب العراق يُمنحون منذ أبريل 2007م حماية مؤقتة، ولهم الحق في المسكن والضمان الاجتماعي والعمل.
- وفي بلجيكا: قامت السلطات بتقليص المساعدات المقدَّمة بعد رفض طلب اللجوء بشكل هائل. وعند هذا الحد، يُعَدُّ الشخص "مهاجراً غير شرعي"، وبذا لا يُمنح سوى حقوق أساسية ضئيلة.
- وفي الدنمارك: لا يُسمح لمن تُرفض طلبات لجوئهم بالعمل أو الاستفادة من حقوق لمّ الشمل، ويعيش في هذا الوضع حالياً نحو 374 من العراقيين الذين رُفضت طلباتهم للجوء، وقد مضى على بعض هؤلاء عدة سنوات، وهم يصارعون من أجل البقاء نتيجة انعدام أفق منظور للعودة أو التمكن من العمل بصورة قانونية.
الولايات المتحدة تشترط على الشاب طالب اللجوء التعهد بالخدمة في الجيش الأمريكي.. وفي حال طلب العودة تُلزمه بدفع كل ما أنفقته عليه.
- وفي ألمانيا: استمر- منذ عام 2007م- اللجوء إلى الإجراء المقلق المتمثل في سحب وضع اللجوء من العراقيين، رغم أن بعض التغييرات التي طرأت مؤخراً تشير إلى تحسن في الأوضاع.. فمنذ نوفمبر 2003م، ألغت السلطات الألمانية وضع اللاجئ لنحو 18 ألف عراقي كانوا قد حصلوا على هذا الوضع في عهد صدام حسين، وفي عام 2007م، تم اتخاذ إجراءات لرفع وضع الحماية عن 5780 من اللاجئين العراقيين إلا أن إلغاء وضع اللاجئ لم يُستكمل في 1914 حالة من هذه الحالات، وتم تأكيد الاعتراف بهؤلاء الأفراد كلاجئين.
- وفي السويد: وهي الدولة الأوروبية التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين العراقيين، فهناك "مذكرة تفاهم" تم توقيعها في فبراير 2008م مع الحكومة العراقية بشأن عودة اللاجئين.
وكانت السويد أكثر دول الاتحاد الأوروبي كرماً نحو طالبي اللجوء العراقيين، ولكنها بدأت تغيير هذه السياسة بعد ارتفاع عدد طالبي اللجوء العراقيين بمعدل يزيد على الضعف- من 8951 لاجئاً في عام 2006م إلى 18559 لاجئاً في عام 2007م- ربما بسبب تقاعس دول الاتحاد الأوروبي الأخرى عن مشاركتها المسؤولية.
ولم يتضح بعد ما إذا كان سيتم تنفيذ المذكرة فعلياً، ولكن يمكن أن تكون لها عواقب خطيرة بالنسبة للعديد من العراقيين الموجودين في السويد، وتم خلال عام 2007م تحويل 1776 حالة إلى الشرطة لتنفيذ الإعادة القسرية، وتبعتها 293 حالة أخرى في يناير وفبراير 2008م.
- شروط التوطين في أمريكا
تحت ضغط الكثير من الدول الاوروبية والمجتمع الدولي على الولايات المتحدة، في كونها السبب فيما حل بالعراق، اضطُرت- في سبتمبر 2008م- إلى أن تضع رقماً تحدد فيه إمكانية استقطاب بعض العراقيين إليها، وهو 12 ألف لاجئ عراقي؛ إذ يمكن لفئة معينة من العراقيين الذين لديهم روابط توظيف وثيقة بالقوات الأمريكية التقديم مباشرة لبرنامج اللاجئين التابع للأمم المتحدة في الأردن ومصر والعراق.. أما العراقيون الذين يرغبون في التقديم للبرنامج من داخل العراق فعددهم محدود نظراً للقيود اللوجستية والأمنية.. وتم تحديد الفئات المشمولة من العراقيين، وهم:
1- الذين يعملون (أو عملوا) دواماً كاملاً كمترجمين فوريين أو مترجمين تحريريين لصالح القوات الأمريكية أو القوات متعددة الجنسيات في العراق.
2- الذين عملوا كموظفين محليين لدى القوات الأمريكية في العراق.
3- الذين يعملون (أو عملوا) على أساس التوظيف المباشر لدى منظمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبعثة الأمريكية بالعراق، التي تلقت تمويلاً من الحكومة الأمريكية من خلال عقد رسمي وموثق أو استحقاق أو منحة أو اتفاقية تعاون.
4- الذين يعملون (أو عملوا) في العراق لدى منظمة إعلامية أو منظمة غير حكومية مقرها الرئيس في الولايات المتحدة.
5- زوجات، وأبناء، وآباء، وأمهات، وإخوة، وأخوات الأفراد المشار إليهم في الفئات الأربع أعلاه، أو للفرد المؤهل للحصول على تأشيرة الهجرة الخاصة كنتيجة لتوظيفه من قِبَل- أو بالنيابة عن- الحكومة الأمريكية في العراق، بما في ذلك الفرد الذي ليس على قيد الحياة، وبشرط أن يكون قد تم التحقق من العلاقة.
6- الأفراد العراقيون الذين هم أزواج أو زوجات أو أبناء أو آباء أو أمهات أو إخوة أو أخوات مواطن أمريكي، أو الأفراد الذين هم أزواج أو زوجات أو أبناء غير متزوجين لأجنبي حاصل على إقامة دائمة في الولايات المتحدة.
7- تفضيل الأرامل العراقيات اللواتي لديهن أبناء شباب للتوطين في الولايات المتحدة.
معظم الدول الغربية تسعى لتوطين النصارى العراقيين.. وتشترط ذلك في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وقد تم بالفعل قبول الكثير ممن تتوافر فيهم هذه الشروط، إضافة إلى الكثير من النصارى العراقيين، والكثير من الأرامل العراقيات المقيمات في الأردن وسورية، وهن أمهات لأبناء تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و30 سنة، ويُشترط عليهم التوقيع على تعهد بأن يخدموا ضمن صفوف الجيش الأمريكي في أي مكان يستلزم ذلك، والخضوع للقوانين الأمريكية.
وفي حال طلب العراقي العودة إلى بلده، فيجب عليه أن يدفع جميع المصروفات التي أنفقتها عليه الجهات الأمريكية؛ من أجور الطائرة والإقامة والسكن، إلى مختلف المصروفات الأخرى، وهذا بحد ذاته تعجيز للعراقيين، لأن أغلبهم يعيشون هناك على حد الكفاف لتسديد ما تم إنفاقه عليهم، إضافة إلى أن الكثيرين منهم يحملون شهادات عليا لا يعملون بها، بل يعملون بوظائف أقل مرتبة لحين قيامهم بمعادلة الشهادات وتعلم اللغة واجتياز ذلك، وهذا- بحد ذاته- يتطلب وقتاً طويلاً لكي يتمكن اللاجئ من الحصول على العمل اللائق به وقد لا يحصل!